الأربعاء، 20 يوليو 2011

مسبحة ناظم بقلم ( أ..س)

جلس ناظم فوق تله مطلة علي المدينة واخذ يتفكر في حالها مليا ويحسب حساباته ... يتخيل تصاميم تساهم في تنظيم الطرق وتحسين مظهر المباني ... اخذ يلوح بمسبحته وهو يحاول أن يجد طريقة فريدة لم يسبقه إليها احد ومن يشاهد المخطط لا يستطيع أن يفهم منه شيئا خوفا من أن تسرق فكرته وتنسب لغيرة...

نظر إلي مسبحته التي في يده ثم قال (وجدتها)... ذهب إلى مزرعة مليئة بالقش المصفر المتآكل لوح بمسبحته بقوة ارتطمت بيده فقطع خيطها لتتطاير حبيباتها وتتبعثر في أرجاء المكان الذي كان يقف عليه .. تنهد في حماسة (الآن بدأ العمل ) استغرق ساعات وهو يحاول جمع الحبيبات والتي كان لونها مشابها للون القش ومع مرور الوقت ابتدأت علامات التعب والإرهاق تظهر علي محياه فأوقف لملمت ما بعثرة لعدم قدرته علي تجميعها بمفرده..

أجل عمله للغد وعند شروق الشمس احضر معه رجلان من أصحابه لمساعدته في جمع الحبيبات ولكن الذي استطاعوا أن يجمعوه لم يتعدى نصف عدد الحبيبات الأصلية للمسبحة.. اقترح احدهم أن يحضروا مكنسة كهربائية ويصغروا الثقب بحيث لا تلتقط إلا الذي يكون بحجم الحبيبات ويقوموا بكنس المكان الذي كان من المفترض أن ناظم بعثرهن فيه...؟
رفض ناظم تدخل الآلات بسبب غلاء أسعارها وتكاليفها الباهظة معتمد علي الكادر البشري فقط ومع الوقت انسحب صديقيه ورفضا إكمال البحث فما كان من ناظم إلا أن ينسحب من التجربة ويعلن فشله ... ومازالت الحبيبات الباقية لا تظهر للعيان حتى يومنا هذا ..اللقب ناظم لكن التفكير والفعل مبعثران ومبهمان..

نسجت هذه الحكاية عندما رأيت ما يفعله كل وزير من إصدار تعاميم تحمل مواد ونصوص تشبه مسبحة ناظم المبعثرة تقرأها ولا تفهم نصف ما جاء فيها وعندما تستطيع هضم وفهم نصفها الأخر يصدر تعميم يلغي ما سبقها فيتبعثر الموظف أكثر ... اغلبها باهت لونها غير واضح لعينك وما تراه بعينك في الأغلب تعاميم ضد الموظف أما باقي التعاميم التي تصب في مصلحة الموظف قد فقدت في الأدراج كالحبيبات التي فقدها ناظم عندما بعثرها بيده ... ما يجعلك تشك أنها بعثرت في أماكن لا نعلم أين هي عن سابق إصرار وترصد وذلك فقط حتى لا يكون للموظف المسكين حجة علي مديره أو رئيسه..

نسمع عن إقالة وزير كل فترة وفترة وتنصيب وزير جديد فتكون مهمة هذا الأخير البحث عن أسباب فشل الوزير الذي سبقه كبحث رفيقي ناظم عن الحبيبات التي بعثرها وفشلا في إيجادها ؟؟ والسؤال المهم هل وجد الوزير الجديد الأسباب وأصلحها أم أكمل بعثرت حبيباته هو ليزداد عدد الحبيبات المبعثرة فامتلأت الملفات وضاقت المخازن بالأرشيف المركون بلا فائدة ..!
سؤال يتبادر لذهني كثيرا ألا وهو أليس من المجدي أن يقوم الوزير الذي اصدر أنظمة عقيمة فشلت عند احتكاكها بأرض الواقع بتعديل وإعادة صياغتها بشكل أفضل ؟؟... بدل من أن يأتي شخص أخر ليقف بمكان ليس هو المكان الذي بعثر فيه ناظم مسبحته ؟؟ فإذا كان الأساس هرم كيف ينتظر من وزير نصب في عام 2011 مثلا أن يبني ادوار فوق ادوار عفا عليها الزمن, أكل وشرب !!

ليس العيب في البشر وحدهم لسبب واحد أن الإنسان يستطيع أن يتكيف ويتأقلم بسرعة عكس القوانين والأنظمة الجامدة التي أثبتت فشلها ومازالت تطبق علي الرغم من تغير كثير من الوزراء والإدارات ..!! مهما تبدلت الكوادر البشرية مازالت العديد من الأنظمة رثة قديمة وتحتاج نزعها من جذورها...من المجدي تنصيب قوانين وأنظمة جديدة ,سهلة الهضم ,مرنه وقابله للتحديث كل فترة حتى تجاري وتواكب التطور السريع... القوة الحقيقة لا توجد في التعاميم ولكن فيما يمكنك انجازه.. كما إن التخطيط على فرضيات وتنبؤات يحتمل الخطأ بنسبة عالية .. ورضا الشارع العام على المسئول يعتمد بشكل كبير على أن يرى الأفكار المقترحة للتحسين قد نفذت على ارض الواقع !!

لو أن هناك شروط صارمة على سبيل المثال إجبار كل وزير على أن يدفع من جيبه ما تسبب به من إضاعة جهد ووقت الموظف ناهيك عن الميزانيات التي صرفت بلا جدوى وذلك لأنه اصدر نظام فشل مع الوقت , لما تقدم احد لمنصب وزير مهما كان يحمل من علم وشهادات عالية ... قال تعالى :} إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا{ السموات , الأرض والجبال رفضت تحمل الأمانة ونحن نتسابق لنيل المناصب بدون لحظة تدبر واحده ومسائلة النفس (هل أنا كفؤ لهذا المنصب؟ هل لدي حكمة وخبرة تمنحني الأفضلية ؟هل أنا مستعد لتحمل مسؤولية ما سوف اسببه من أضرار في حالة أني فشلت؟) طمع النفس البشرية للمظاهر وحب نيل الألقاب أعمى عيون الكثيرين عن الجانب الأخر من المنصب فهو ليس مجرد كرسي صنع من جلد فخم... فالمهمة صعبة وحملها ثقيل كجمل يحمل على ظهره كل بيوت المدينة التي أراد ناظم أن يحسن تنظيمها فكيف سيحملها إنسان ضعيف؟؟؟ ... يعجبك لمعان النجوم البراقة في كبد السماء لكن محال محال الوصول إليها يا إنسان ..!!

وختاما ليتك يا ناظم لم تبعثر المسبحة فالمدينة ضلت هي المدينة والطرقات هي الطرقات.. فأصبحت كالذي قيل فيه: ألقاب مملكة في غير موضعها كالهر يحكي انتفاخا صولة الأسد؟!

ليست هناك تعليقات: